
السبات في زمن اللاثبات
زمن تغفو فيه قيم وتتغيرقيم أخرى …عالم المجردات لا يكون مجرد أحرف حاضنة لمعنى …بل هو التفعيل من يضيف للكلمة هويتها .
تفعيل الكلمة بات من الضروري ضمن تصنيفها في جداول استخداماتها ومنحها تلك الدلالة عن نوع انتمائها أو انضوائها تحت بنود السلبية أو الإيجابية …ضرورة بات لاغنى عنها في ظل حيادية مراوغة تكمن في اللعب على ناصية المواقف .
ماذا عن كلمات مرتبطة مثلا في قاموسها الأخلاقي …هل هي ذاتها تلك التي جرى تفسيرها سابقا على مر العصور ؟
لنأخذ مثلا ….سلم الفضائل ككتاب وكمفهوم مقدس غايته الوصول إلى الله عبر الروح إلى الكمال الروحي عبر التدرج في الفضائل كل قيمة اخلاقية هي فضيلة بحد ذاتها وهي درجة من درجات سلم الفضائل هذا الذي كان فكرة دعا إليها القديس يوحنا السلمي استنادا إلى رؤيا يعقوب …نرى أن هذه الفضائل التي حددها كثلاثين درجة وقد خضعت لمتغيرات زمن قام بإفنادها من حيث إفتاءات عدلها قانون الإنسان الذاتي انطلاقا من ذاته ليجعل لنسبيتها في كمالها مبررا إلى تغييرها أو تحوير معناها آخذا بذلك مبدأ نيكولو ماكيافيللي المفكر الايطالي في القرن السادس عشر في مبدئه الفلسفي الغاية تبرر الوسيلة نسبة إلى الضرورات تبرر المحظورات مما أودى بكثير من تلك الفضائل إلى صورة تخاف العرف الأخلاقي تماما وتبيح للدكتاتورية ممارسات منافية لكل معاني هذه القيم الأخلاقية من الفضائل …وبمعنى آخر أنه حتى المحظورات وليس الفضائل فقط أصبحت ترتدي لباسا آخر ضمن هذه الممارسات العصرية التي هي امتداد فعلي لعملقة الكيان الأكبر ألا وهو السياسة وقوة السلطة القادرة على التحوير والتعريف والتشويه بحسب متطلبات الواقع الواجب برأيها تسخير كل المعاني لخدمة الهدف من استمراره او دعمه …فيصبح القتل مثلا واجبا دفاعيا والظلم والتعذيب تأديبا والإقسار طاعة واجبة والتجويع ضبط ميزان الحكومة اقتصاديا …تحدثنا هنا عن تخلخل قيم المعاني نسبة فقط إلى دين معين عبر العصور ونلتفت الآن أمام الفكرة ذاتها لنجد أنها بالطريقة ذاتها سيست ودينت ونسبت ظلما وأفكا إلى دين العدل والحق أيضا لتصبح صورة مضللة لماهيتها فما هو جزاء وثواب بات على حسب قدر المسيس للكلمة بعصر ومكان تطبيقها …حيث أصبح لمعنى القيمة الأخلاقية مترادفات فكرية دخيلة تماما أصبحت تزاوج في وجودها بتزاحم وتدافع مع المعنى الأخلاقي الرائع للكلمة لترمي بها في معمل التشويه من حيث اجتزاء أو إضافة لشروط معينة تجعلها تستوفي حقها من التعريف لتغدو بسبب هذا التشويش حالة عكسية تماما كما ولو أننا نستبدل أمام ذات الأرقام لأي عملية حسابية وهذا إن أردنا إيصال الفكرة كصورة مجردة كما لوأننا استبدلنا إشارة الزائد بالناقص ..لن تبقى أي المعادلات هي ذاتها بنتائجها ..لا نرى أمامنا سوى الخلل …خلل سببه عبثية الفكر وعبث آخر مقصود لا يمكن تبريره مطلقا لكن فهمه أضحى واجبا فالغاية باتت في هذا العصر هي الأساس ومن هنا تتغير كل معاني ومعطيات المفردة في مخزون قاموس الإنسانية في الفكر.
نضال سواس
من كتابي “” ماذا عن الفكر “”